الغيرة عند الأطفال: مظاهرها، أسبابها و 17 طريقة لعلاجها

  مصنف: طفولة 1865 0
 تعتبر الغيرة إحدى المشاعر الإنسانية الطبيعية عند الطفل فيجب على الأهل ان يتقبلوها لأنها حقيقة واقعية ولكن يجب على الأهل عدم السماح بنموها لأن القليل من الغيرة يشكل دافعاً نحو التطور وحافزا على التفوق أما كثرة الغيرة فيؤدي إلى فساد الحياة.  فالغيرة ألم نفسي ينتاب المرء إذا وجد ما كان يأمل أن يكون له قد أضحى لغيره، أو طمع في أن يكون له ما في يد غيره اعتقاداً منه أنه أحق به.  والغيرة لدى الطفل ردّ فعل دفاعي ليثبت به وجوده فهي وسيلة للتعبير الذاتي عن شخصيته. وعلى كل حال فإن الغيرة عند الأطفال بمفهومها الشامل هي مظهر طبيعي للنمو في الطفولة وليست مرضاً، بل هي ألم داخلي عند الطفل وشعور بالمعاناة نتيجة منافسة واقعة بينه وبين من يغار منه بهدف الفوز والسيطرة. والشعور بالغيرة مرتبط بنمو المشاعر والعلاقات، والطفل يبني أولى علاقاته مع الأم، ويبدأ الارتباط العاطفي والحسي معها منذ الأيام الأولى للولادة، وخلال سبعة أشهر تقريباً من الولادة تصبح العلاقة بين الطفل والأم علاقة قوية مليئة بالعواطف المتبادلة حيث تتوطد علاقات الانتماء العاطفي، وهذا الانتماء في نظر الطفل يمثل التملك، ولذلك يحاول الطفل إبداء الرغبة في الاحتفاظ بما يملك أي الاحتفاظ بوجود الأم لأنها هي التي توفر له الإحساس بالأمان والتوازن العاطفي بل إن غياب الأم لأي سبب من الأسباب يؤدي إلى حالة من التوتر والقلق والخوف، ويشعر الطفل بالغيظ عندما ينافسه أحد في الاستحواذ عليها أو على عواطفها، وهذا الإحساس بتملك الأم هو الذي يظهر شعور الغيرة عند الأطفال. وعادة تظهر الغيرة في السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل وعندما يبلغ الطفل من العمر عشر سنوات فأكثر يكون التعبير عن الغيرة قد تحوّل إلى صور الوشاية بالشخص الذي يغار منه.

مظاهر الغيرة

تتباين وتتنوع أساليب التعبير عن الغيرة لدى الأطفال مما يجعل أمر كشفها وتشخيصها وتحديدها صعباً. تظهر الغيرة بأسلوب تعويضي مصطنع، حيث يخفى الطفل مشاعره الحقيقية ويقوم بدور الممثل نحو أخيه المولود الجديد الذي يأخذ في ضمه وتقبيله ولكنه في حقيقة الأمر يود قرصه أو ضربه، وقد لا يبدي الطفل أي عدوان على أخيه لكنه يحاول العودة بعقله للمرحلة التي كان سعيداً فيها فيبدأ لا شعوريا في التصرف كالصغار فهو بذلك يحاول أن يشعر والديه بأنه صغير يحتاج العناية والرعاية مثل هذا الذي يرعيانه.
فمن مظاهر الغيرة (الأفعال التي يقوم بها الطفل الغيور):
  1. مص الأصابع.
  2. الحبو.
  3. اللجوء إلى البكاء والصراخ.
  4. التبول والتبرز في ملابسه.
  5. مطالبة الأم بإطعامه.
  6. إستعمال لغة الأطفال تقليداً لأخيه الصغير.
  7. شرب الحليب من الزجاجة.
  8. النوم في سرير الطفل.
  9. الإلتصاق بالأم.
  10. الإمتناع عن تناول الطعام مما يؤدي إلى نقص في الوزن وإعتلال الصحة الجسمية والنفسية لدى الطفل مما يقلق راحة الأهل.
  11. قلة النوم.
  12. الخوف الشديد.
  13. العناد وعدم الطاعة.
  14. إلقاء الأشياء من النافذة.
  15. كسر الأواني والعبث بزهور الحديقة وأثاث المنزل.
  16. القسوة على الحيوانات.
  17. وقد يكون التعبير عن الغيرة عند بعض الأطفال بأسلوب عدواني لفظي كالتفوه بكلمات بذيئة والسبات وكلمات التحقير.

وبالطبع ينبغي التعامل مع كل هذه التصرفات على أنها مظاهر لمرحلة عابرة، والمهم معاونة الطفل لاجتياز التجربة والاستفادة منها لا التركيز على كل مظهر على حده ومحاولة علاجه لأن كثرة الملاحظات والأوامر والممنوعات تزيد من ضيق الطفل وتفاقم مظاهر الغيرة وتشعر والديه بالإحباط مما يعقد المسألة ويحولها لمشكلة حقيقية لا تجربة عابرة.  وفي هذه الحالة على الأم أن تبذل كل المحاولات لجعل طفلها سعيداً وذلك عن طريق تحاشيها التأنيب التوبيخ والعقاب الذي قد يزيد المسألة تعقيداً، حتى لو أصاب أخاه الصغير بسوء، فكل هدفنا أن نجعله يلعب معه ويساعد أمه في خدمته بدلاً من أن نعزله عنه فنربي بينهما الكره منذ الصغر، ففي حالة ضربه أو إصابته له لتأخذه الأم بعيداً في تلك اللحظات، وتجعله مشغولاً دون أن تؤنبه بل تعطيه الحب والأمان.

أسباب الغيرة

هناك عدة أسباب للغيرة ومن أهمها:

  1. أهم أسباب الغيرة على الإطلاق عدم إحساس الطفل بالأمان، والسبب في ذلك أن الطفل يريد أن يشعر بأنه مهم بالنسبة لوالديه وأنهما يحبانه.
  2. الغيرة من المولود الجديد: وخاصة إذا توجهت الأم برعايتها واهتمامها الشديد للصغير وأهملت الطفل الكبير، ففي هذه الحالة يظن المسكين أن أبواه لم يعودا راضيين عنه فاستبدلاه بهذا الوليد.
  3. المقارنة بين الأخوة: المقارنة التي تقوم على أساس الذكاء أو التحصيل الدراسي أو التفوق أو الجمال أو البنية القوية، فإذا ما أخفق أحد الأطفال لا يجب مقارنته بأخيه المتفوق لأن ذلك يؤجج الغيرة في صورة مقرونة بالنقمة والحقد.
  4. الغيرة عند الأطفال المعاقين جسدياً: تظهر الغيرة عند الطفل المعاق لأنه يشعر بالحرمان بما يتمتع به أخوته من بنية سليمة، ويعمل الأهل على زيادة وتنمية هذه الغيرة إذا لم يعرفوا كيفية التعامل مع الطفل المعاق.
  5. العقاب الجسدي: عقاب الطفل الجسدي بالضرب إذا أظهر غيرته نحو أخيه يزيد لديه مشاعر الغيرة السلبية والتي تظهر على شكل عداء نحوه.
  6. عدم سماح الأهل بإبداء مشاعر الغضب أو الغيرة: عدم سماح الأهل للطفل بإظهار مشاعر الغيرة على نحو سليم يساهم في كبت هذه المشاعر مما يعزز لدى الطفل الإحساس بأنه منبوذ وغير مرغوب فيه فيزداد لديه الإحباط وعدم الثقة بالنفس.
  7. تحميل الطفل الأكبر مسئوليات تفوق طاقته: تحميل الطفل الأكبر مسئوليات تتجاوز قدرته واستعداده الطبيعي  كأن يطلب منه بأن يكون هو الكبير وهو القدوة ولومه دائماً على تصرفات الطفولة، مما يدفعه إلى الرجوع إلى تصرفات لا تتناسب مع عمره ويلجأ إلى النكوص أي يعود إلى تصرفات تشبه أخيه مثل التبول اللاإرادي والجلوس في حضن أمه عله يحظى ببعض الامتيازات التي يحظى بها الصغير.
  8. الأنانية: ارتباط الغيرة بالأنانية، أي كلما زاد الإحساس بالأنانية  تولدت الغيرة عند الطفل.
  9. غيرة الأخ الأصغر من الأكبر سناً: تظهر الغيرة من الصغير نحو الكبير وذلك عندما يهتم الوالدين بالابن الأكبر وخاصة إذا أهمل الوالدين الصغير، وهناك أخطاء تبدو شائعة لدى بعض الأسر، وهي تخصيص لهذا الصغير كل ما سبق أن استعمله الكبير من ملابس والعاب وأحذية وكتب .. الخ. لذا يشعر الصغير بالدونية وبأنه مهمل من قبل والديه حيث أنه ليست لديه خصوصية فتشتعل غيرته ويبدى عدائه نحو الأخ الأكبر.
  10. ضعف الثقة بالنفس: إن ضعف الثقة بين الطفل ومن حوله يشكل عاملاً مساعداً على ظهور الغيرة، كذلك ضعف ثقة الطفل بذاته وبقدراته يؤدي للشعور الشديد بالغيرة كونه ينظر إلى الآخرين دوماً بأنهم أفضل منه ولا يستطيع إدراك قدراته الشخصية التي يتميز بها عنهم. خاصة عندما يكون هذا الطفل معاقاً أو مريضاً وشاعراً بالاختلاف بينه وبين الأطفال الآخرين.
  11. التنافس المذموم الحاصل.
  12. تنشأ الغيرة من فرط المحبة كتدليل الابن البكر.
  13. وقوع الظلم على الطفل كأن تؤخذ ألعابه.
  14. المشاجرات المستمرة وحالة الشقاق والنزاع وتوتر العلاقة  بين الوالدين وخاصة إذا كانت تحدث أمام الطفل مما ينعكس سلباً على حياته.
  15. خوف الطفل إذا فقد بعض الامتيازات الأساسية كالحب والعطف مثلا.
  16. المقارنة الهدامة بين طفل وآخر سواء كان بالصراحة أو بالسلوك أو المقارنة الخاطئة بين القدرات الخاصة له ولإخوته مما يشعره بالعجز والنقص.

لعلاج الغيرة أو للوقاية من آثارها السلبية يجب عمل الآتى

إن معرفة الداء نصف الدواء كما يقول الحكماء، ولذا فمعرفة أسباب الغيرة تنفعنا كثيراً في العلاج، فهناك مجموعة من الأساليب والوسائل التي يمكن من خلالها معالجة ظاهرة الغيرة عند الطفل ومنها:

  1. التعرف على الأسباب وعلاجها.
  2. توفير العلاقات القائمة على أساس المساواة والعدل ، دون تميز أو تفضيل على آخر ، مهما كان جنسه أو سنه أو قدراته ، فلا تحيز ولا امتيازات بل معاملة على قدم المساواة وإعتبار كل طفل شخصية مستقلة لها إستعداداتها ومزاياها الخاصة بها.
  3. هدوء الأجواء الأسرية والبعد عن المشاكل والخلافات.
  4. مراعاة مبدأ الفروق بين الأطفال وتقدير كل طفل على حدة وعدم المقارنة أو المفاضلة بين أخ وآخر.
  5. إشعار الطفل بقيمته ومكانته في الأسرة والمدرسة وبين الزملاء.
  6. تعويد الطفل على أن يشاركه غيره في حب الآخرين.
  7. تعليم الطفل على أن الحياة أخذ وعطاء منذ الصغر وأنه يجب على الإنسان أن يحترم حقوق الآخرين.
  8. تعويد الطفل على المنافسة الشريفة بروح رياضية تجاه الآخرين.
  9. بعث الثقة في نفس الطفل وتخفيف حدة الشعور بالنقص أو العجز عنده.
  10. تعويد الطفل على تقبل التفوق ، وتقبل الهزيمة ، بحيث يعمل على تحقيق النجاح ببذل الجهد المناسب ، دون غيرة من تفوق الآخرين عليه ، بالصورة التى تدفعه لفقد الثقة بنفسه.
  11. تعويد الطفل الأنانى على احترام وتقدير الجماعة ، ومشاطرتها الوجدانية، ومشاركة الأطفال في اللعب وفيما يملكه من أدوات.
  12. فى حالة ولادة طفل جديد لا يجوز إهمال الطفل الكبير وإعطاء الصغير عناية أكثر مما يلزمه ، فلا يعط المولود من العناية إلا بقدر حاجته ، وهو لا يحتاج إلى الكثير ، والذى يضايق الطفل الأكبر عادة كثرة حمل المولود وكثرة الالتصاق الجسمى الذى يضر المولود أكثر مما يفيده. وواجب الآباء كذلك أن يهيئوا الطفل إلى حادث الولادة مع مراعاة فطامه وجدانياً تدريجياً بقدر الإمكان، فلا يحرم حرماناً مفاجئاً من الامتياز الذى كان يتمتع به.
  13. تنمية الهوايات المختلفة بين الأخوة كالموسيقى والتصوير وجمع الطوابع والقراءة وألعاب الكمبيوتر وغير ذلك، وبذلك يتفوق كل في ناحيته ، ويصبح تقيمه وتقديره بلا مقارنة مع الآخرين.
  14. المساواة في المعاملة بين الابن والابنة ، لآن التفرقة في المعاملة تؤدى إلى شعور الأولاد بالغرور وتنمو عند البنات غيرة تكبت وتظهر أعراضها في صور أخرى في مستقبل حياتهن مثل كراهية الرجال وعدم الثقة بهم وغير ذلك من المظاهر الضارة لحياتهن.
  15. عدم إغداق امتيازات كثيرة على الطفل المريض ، فأن هذا يثير الغيرة بين الأخوة الأصحاء ، وتبدو مظاهرها في تمنى وكراهية الطفل المريض أو غير ذلك من مظاهر الغيرة الظاهرة أو المستترة.
  16. إشباع حاجتهم للحُبِّ والحنان ، مع الاهتمام بوجودهم ، وهي نفس الأسباب التي تدفعهم للعناد وعدم طاعة الوالدين .
  17. رواية قصص تقرب مفهوم المشاركة مع الاخوة والاخوات والاصدقاء والجيران مع بيان دورهم في مساعدته وسعادته.

وأخيراً لا بدّ من القول : إن الأطفال هم أساس المجتمع وتبدأ تربيتهم وتكوين شخصيتهم السوية من داخل الأسرة ، وحتى نحافظ على توافقهم النفسي والاجتماعي يجب علينا أن نتفادى تكريس المظاهر السلبية في نفوسهم مثل العدوان والخجل والغيرة لأن الابتعاد عن أسباب المرض خير من علاجه ، وهذا ما تكرسه الحكمة القائلة : ( درهم وقاية خير من قنطار علاج )   ويبقى حضن الأم الدافئ الحنون الذي لا يخذل الطفل مهما كبر هو ملاذه الأول والأخير والذي يتعامل مع مشكلاته النفسية والاجتماعية التي تواجهه، ويدعمه للتغلب على كل أشكال القلق والخوف وضعف الثقة بالنفس عنده، بما يزيد من فرص النجاح ويقلل من خبرات الفشل، وينمي القدرة على التعاون الاجتماعي بينه وبين أقرانه ومحبتهم.

يوسف يعقوب

كاتب ومترجم وخبير برمجة لاكثر من 20 سنة. مهتم بالغذاء والصحة وعلاج الامراض بالاعشاب والطرق الطبيعية.

أقرأ مقالاتي الأخرى