ليلة القدر : فضلها، علاماتها وكيفية الاستعداد لها

  مصنف: شريعة 1188 0

ليلة القدر من الليالي العظيمة في شهر رمضان ، فهي التي انزل الله فيها كتابه العظيم، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا،  ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله .

ليلة القدر أمرها عظيم والخير فيها كثير‏، فهي ليلة المغفرة والعتق من النيران، ومضاعفة الأعمال، وزيادة الحسنات‏، ‏ ليلة تُجاب فيها الدعوات وتعلو فيها الدرجات‏، السعيد من فاز بها‏، والمحروم من حرم فضلها‏. فالله عز وجل اختصها من بين الليالي، حيث العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.  قال تعالى في سورة القدر: {إنا أنزلناهُ في ليلةِ القدر *وما أدراكَ ما ليلةُ القدر * ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهر * تَنَزلُ الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كلِ أمر *سلامٌ هي حتى مطلع الفجر}.  وقال تعالى في سورة الدخان: {إنا أنزلناهُ في ليلةٍ مباركةٍ إنا كنا مُنذٍرين * فيها يُفرَقُ كلُ أمرٍ حكيم}.

سبب تسميتها ليلة القدر

في تسميتها بذلك أقو العديدة ومنها:

  1. أحدها: لعظيم قدرها، وجلالة مكانتها عند الله عز وجل وكثرة مغفرة الذنوب، وستر العيوب في هذه الليلة المباركة. قال الزهري: القدر العظمة من قولك: لفلان قدر. ويشهد له قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91].
  2. وقد سميت الليلة بهذا الاسم؛ لأن الله تعالى يقدّر فيها الأرزاق والآجال، وحوادث العالم كلها، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والحاج والداج، والعزيز والذليل، والجدب والقمط، وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة، ثم يدفع ذلك إلى الملائكة لتمثله، كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4].
  3.  قال الخليل بن أحمد: إنه من الضيق أي هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون. ويشهد له قوله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7].
  4.  قال ابن قتيبة: إن القدر الحكم، كأن الأشياء تقدر فيها.
  5. قال أبو بكر الوراق: لأن من لم يكن له قدر صار بمراعاتها ذا قدر.
  6. قال علي بن عبيد الله: لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، وتنزل فيها رحمة ذات قدر، وملائكة ذوو قدر.
  7. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
    1. سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف، كما تقول: فلان ذو قدر عظيم، أي: ذو شرف.
    2. أنه يُقدَّر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان إتقان صنعه وخلقه.
    3. وقيل لأن للعبادة فيها قدرًا عظيمًا، لقول النبي : “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.

فضل ليلة القدر

  1. أنها خيرٌ من ألف شهر: قال تعالى: {لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]. قال مجاهد: عملها وصيامها وقيامها خيرٌ من ألف شهر.
  2. نزول الملائكة والروح فيها: قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4]. قال البغوي: قوله عز وجل: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} يعني جبريل عليه السلام معهم، {فِيهَا} أي: ليلة القدر، {بِإِذْنِ رَبّهِم} أي: بكل أمرٍ من الخير والبركة. وقال ابن كثير: أي: يكثر تنزُّل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزّل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحِلَقِ الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدقٍ تعظيمًا له.
  3. أنها سلام إلى مطلع الفجر: قال تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5]،  عن مجاهد في قوله: {سَلامٌ هِيَ} قال: سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو يعمل فيها أذى. قال ابن الجوزي: وفي معنى السلام قولان:
    1. أحدهما: أنه لا يحدث فيها داء ولا يُرسَل فيها شيطان، قاله مجاهد.
    2. والثاني: أن معنى السلام: الخير والبركة، قاله قتادة، وكان بعض العلماء يقول: الوقف على {سَلامٌ}، على معنى تنزُّل الملائكة بالسلام.
  4. من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله قال: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه”. قال ابن بطال: ومعنى قوله: “إيمانًا واحتسابًا” يعني مُصدِّقًا بفرض صيامه، ومصدقًا بالثواب على قيامه وصيامه،  ومحتسبًا مريدًا بذلك وجه الله،  بريئًا من الرياء والسمعة راجيًا عليه ثوابه.
  5. قال الشيخ ابن عثيمين: “وفي هذه السورة فضائل متعددة لليلة القدر:
    1. الفضيلة الأولى: أن الله أنزل فيها القرآن، الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
    2. الفضيلة الثانية: ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2]
    3. الفضيلة الثالثة: أنها خير من ألف شهر.
    4. الفضيلة الرابعة: أن الملائكة تنزل فيه، وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة.
    5. الفضيلة الخامسة: أنها سلام؛ لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب.
    6. الفضيلة السادسة: أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة تُتلى إلى يوم القيامة”.
  6. من فضائل ليلة القدر: ما ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه). فقوله: «إيمانًا واحتسابًا» يعني إيمانًا بالله، وبما أعد الله من الثواب للقائمين فيه، واحتسابًا للأجر وطلب الثواب.

علامات ليلة القدر

  1. ثبتت في صحيح مسلم من حديث أُبَيّ أن النبي ذكر أن من علامتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها.
  2. ثبتت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة، ورواه الطيالسي أيضًا في مسنده، وهو حديث صحيح، سنده صحيح أن النبي قال: “ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة”.
  3. ما ثبت عند الطبراني بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي قال: “إنها ليلة بلجة -يعني منيرة مضيئة- لا حارة ولا باردة, لا يرمى فيها بنجم”. يعني لا ترى فيها هذه الشهب التي ترسل على الشياطين.
  4. صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع.
  5. الطمأنينة: أي طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي.
  6. أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي.
  7. أنها ليلة الأوتار من العشر الأواخر: وقد دل على ذلك أحاديث كثيرة، منها حديث أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله : “وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر”. قال ابن تيمية رحمه الله: “ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، هكذا صح عن النبي أنه قال: (هي في العشر الأواخر من رمضان). وتكون في الوتر منها، لكن الوتر يكون باعتبار الماضي، فتطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين”.

كيف تحضر نفسك لهذه الليلة المباركة

  1. الاستعداد لها منذ الفجر، فبعد صلاة الفجر تحرص على أذكار الصباح كلها، ومن بينها احرص على قول: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” مائة مرة.
  2. احرص على أن تفطر صائمًا، إما بدعوته، أو بإرسال إفطاره، أو بدفع مال لتفطيره،  لما رواه زيد بن خالد الجهني عن رسول الله أنه قال: “من فطّر صائمًا كتب له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء”.
  3. عند غروب الشمس ادع أيضًا أن يعينك ويوفقك لقيام ليلة القدر.
  4. جهز صدقتك لهذه الليلة من ليالي العشر، وليكن لك ادخار طوال السنة لتخريجه في هذه الليالي الفاضلة فلا تفوتك ليلة من ليالي الوتر إلا وتخرج صدقتها.
  5. منذ أن تغرب الشمس احرص على القيام بالفرائض والسنن، فمثلاً منذ أن يؤذن ردِّد مع المؤذن ثم قل: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، فمن قال ذلك غُفر له ذنبه كما روي عنه مرفوعًا. ثم قل: اللهم رب هذه الدعوة التامة… إلخ.
  6. ثم بكر بالفطور احتسابًا، وعند تقريبك لفطورك ليكن رطبًا محتسبًا أيضًا، ولا تنس الدعاء في هذه اللحظات، وليكن من ضمن دعائك: اللهم أعني ووفقني لقيام ليلة القدر.
  7. لا يفتر لسانك من دعائك بـ “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
  8. إن كان لك والدان فبرهما وتقرب منهما، واقضِ حوائجهما وافطر معهما.
  9. بادر بالذهاب إلى المسجد قبل الأذان.
  10. ثم إذا أقيمت الصلاة صل بخشوع، فكلما قرأ الإمام آية استشعر قراءته، وكن مع كلام ربك حتى ينصرف الإمام.
  11. قبل خروجك من المسجد أن تضع صدقة هذه الليلة، وإذا كان يصعب عليك إخراج صدقة كل ليلة من هذه الليالي فمن الممكن أن تعطي كل صدقتك قبل رمضان أو قبل العشر الأواخر جهة خيرية توكلها بإخراج جزء منها كل ليلة من ليالي العشر.
  12. لا تنس سيد الاستغفار هذه الليلة: “اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”. قال : “من قاله فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة”.
  13. احرص على كل ما ثبت عنه من الأذكار ذات الأجور العظيمة، كما قال لعمه: “ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار تقول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق، الحمد لله عدد ما في السموات والأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، الحمد لله ملء ما أحصى كتابه، الحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء وتسبح مثلهن، ثم قال: تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك”.  وقال : “من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر”. وعن أبي هريرة ، قال : “من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه”.
  14. ليكن لك جلسة مع كتاب ربك فتقرأه.
  15. استيقظ لصلاة قيام الليل في المسجد.
  16. أخيرًا وقُبيل الفجر لا بد من السحور ولو بماء، مع احتساب العمل بالسنة،  لما رواه أنس رضي الله تعالى عنه، قال: قال : “تسحروا فإن في السحور بركة”. ثم تسوك وتوضأ، واستعد لصلاة الفجر وأنت إما في ذكر أو دعاء أو قراءة قرآن.

دعاء ليلة القدر

اللهمّ إنّا نستعينك ونستهديك، ونستغفرك ونتوب إليك، ونتوكّل عليك، ونثني عليك الخير كلّه، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهمّ إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد، وفيك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذاب الجدّ بالكفّار ملحق.

لا إله إلا الله، المتوحّد في الجلال، في كمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، المُتفرّد بتصريف الأمور على التّفصيل والإجمالي تقديراً وتدبيراً، لك الحمد كالذي نقول وخيراً ممّا نقول، ولك الحمد كالذي تقول، ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرّضا.

اللهم انصرنا على أنفسنا حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا، استجب دعاءنا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وأهلك أعداءنا، ولا تُخيّب فيك رجاءنا، اختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، بلّغنا ممّا يرضيك آمالنا، ولِّ علينا خيارنا، ولا تولِّ علينا شرارنا، ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السّفهاء منا، لا تُسلّط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يخشاك ولا يرحمنا، طهّر قلوبنا، وأزل عيوبنا، واكشف كروبنا، وتولّنا بالحسنى، واجمع لنا خيريّ الدنيا والآخرة، أصلح أحوالنا، ألّف بين قلوبنا، اختم بالباقيات الصّالحات أعمالنا، برحمتك الواسعة اكشف شرّ ما أغمَّنَا وأهمَّنَا، على الإيمان الكامل، والكتاب، والسّنة جمعاً توفنا، وأنت راض عنا، اجعل القرآن لنا في الدنيا قريناً، وفي القبر مؤنساً، وعلى الصراط نوراً، وفي القيامة شفيعاً، وإلى الجنة رفيقاً، ومن النار سِتراً وحجاباً، ومن النار سِتراً وحجاباً، وإلى الخيرات دليلاً وإماماً، بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين.