رمضان في القرآن – كم مرة ذكر رمضان في القرآن الكريم؟

  مصنف: القرآن الكريم 3951 1

الجواب  المختصر هو أنه ذكر رمضان في القرآن  مرة واحدة فقط في سورة البقرة آية 185 . ومع أنه أهم شهر في السنة للمسلمين لماذا يا ترى ذكر رمضان في القرآن مرة واحدة فقط.  ولماذا نحتفل كل سنة بقدومه ونبتهج لانقضائه حتى أن يوم انقضاء الشهر الكريم هو أحد العيدين عند المسلمين. سمعت هذا الدرس من احد الدعاة في أمريكا و أعجبني فقررت ترجمته و تلخيصه وفيه يشرح أهمية شهر رمضان و لماذا ذكر رمضان في القرآن  مرة واحدة فقط.

رمضان في القرآن

قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) (البقرة)

كما تعلمون سورة البقرة من أكبر السور في القرآن الكريم وكما ذكرنا فالآية الكريمة هي في هذه السورة . في هذا المقال نود ان نتكلم عن ثلاث نقاط:

  1. أهمية موقع هذه الآية في السورة فهي في الجزء الثاني من السورة وهناك تسلسل منطقي للأحداث من بداية السورة توصلنا إلى الآية التي أنعم الله علينا بالشهر الفضيل.
  2.  بعض المعني المستخلصة من الآية وأهمية شهر رمضان
  3. كيف نستفيد بأكبر قدر ممكن من هذا الشهر الفضيل

تنقسم سورة البقرة إلى جزءان فتتحدث معظم آيات الجزء الأول عن بني إسرائيل بينما في الجزء الثاني وجهت معظم الآيات إلى الأمة الاسلامية.  ففي القسم الأول من السورة يذكر الله عز وجل معاصي بني إسرائيل وكيف أنهم لا يستحقون منزلة الشعب المختار.  وبعد ذلك يبرر الله عز وجل كيف انه يستوجب أن يكون هناك أمة جديدة تكون قدوة للإنسانية وأن هذه الأمة هي الأمة الاسلامية.  ولاكن في بادئ الأمر وقبل أن نصل إلى هذا التحول تتحدث السورة كيف ان الله عز وجل فضل الأنسان عن باقي الكائنات عندما أمر الملائكة بالسجود لأدم عليه السلام.  ومن بني أدم فضل الله قوم بني أسرائيل على باقي الشعوب.   وفي السياق نفهم أيضاً سبب عدم إيمان بني إسرائيل بالرسالة المحمدية، وذلك لأنه ليس من سلالة بني إسرائيل بل من سلالة إسماعيل عليه السلام. فهم يعتبرون سيدنا إسماعيل الإبن الغير شرعي لسيدنا إبراهيم ما عاذ الله.  فلهاذا يسمون أنفسهم بني إسرائيل بدلاً من بني إبراهيم أوبني أسحاق؟ لأنهم يفضلون يعقوب عليه السلام و كما نعلم الأسم الثاني ليعقوب هو إسرائيل.  فما جاء في مقدمة السورة عن سيدنا إبراهيم ويعقوب عليهما سلام  قوله تعالى:

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاًّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132)  أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)

عندما كان يحتضر سيدنا يعقوب سأل بنيه الأثني عشر ما تعبدون من بعدي.  الغريب في جوابهم ذكر إسماعيل في السلالة قبل جدهم إسحاق!  وان بني إسارئيل (أي أبناء يعقوب عليه السلام) يعترفون بالإسلام لله رب العالمين {..ونحن له مسلمون}. ففي باقي الآيات عندما يذكربني إسرائيل يقصد الأمة المتحدرة من يعقوب (أي اليهود) ولهذا يذّكر الله عز وجل أن من تتبعون من أبناء يعقوب قد أعترفوا بالأسلام وبأفضلية أسماعيل عليه السلام.

وقبل ذلك أتت الآية الكريمة:

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)

فبني أسرائيل يعرفون حق المعرف أن سيدنا إبراهيم هو من بنى الكعبة وأن إسماعيل هو الذي ساعده فيها وليس إسحاق لأن الأول هو الذي كان يقيم في هذه البقعة المقدسة.  وبعد ذلك يأتي قوله تعالى:

سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142)

كما نعلم تأتي هذه الأية بعد أن أمر الله عز وجل سيدنا محمد بتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة.  المضحك هنا أنهم برفضهم هذا التحول يعترفون ضمنياً بنبوة سيدنا محمد.  بقولهم “ما ولاهم عن قبلتهم” بدلاً من “قبلتنا” يعترفون أن القبلة التي كان المسلمون يتجهون لها هي صحيحة. ويعرفون أنه إذا تغيرت القبلة إلى الكعبة فهذا تكريماً لسلالة إسماعيل عليه السلام.   فمثلاً لو كان أحدنا يصلي في بلد ما ورآه شخص غير مسلم هل سيلاحظ أو ينزعج إذا كان يصلي في اتجاه معين واذا غير الأتجاه؟  كلا ولكن لعلم اليهود بصدق نبوة سيدنا محمدة أغتاظوا من تغير القبلة حتى أنه بينوا تناقضهم فلهذا قوله تعالى “سيقول السفهاء”.  وهنا تأتي الأية التالية:

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143)

أي أنه أنشأت الأمة الجديدة الأسلامية وعاصمتها مكة.  ولاكن هل العاصمة الجديدة هي أهم ما يميز هذه الأمة؟ فالصلاة وصيام كانت مفروضة قبل ذلك حتى أن اليهود يصومون و يصلون.  هذه الأمة هي التي أنبعثت فيها آخر الرسالات.  فنزول القرآن الكريم في شهر رمضان هو ما يميز هذا الشهر عند المسلمين.   هنا نرى أهمية هذا الشهر الفضيل بالنسبة للأمة الإسلامية إذ تبدأ الآية التي ذكر فيها رمضان بالتحدث عن القرآن وفضله على الأمة بدلاً من التحدث عن الصوم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ}. فبعكس الاعتقاد السائد عند اليهود أن التوراة هدى لبني إسرائيل فقط ،  يبين الله عز وجل أن القرآن هدى لجميع الناس.  وهذا تذكير بأنه يتوجب في رمضان خاصة علينا دعوة الناس إلى الاطلاع على القرآن وأنه يحتوي على بينات تثبت صحته { وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى} وعلى ما يبين طريق الخير من الشر و يحكم بين الناس {وَالْفُرْقَانِ}.

وهذا ما يدعونا للأحتفال في هذا الشهر، أي أن ما يميزنا عن اليهود هما العاصمة الجديدة و الرسالة الجديدة والأحتفال بنزولها يعني الأحتفال بتأسيس الأمة الاسلامية.

ومن ثم يأتي الأمر بالصيام في رمضان،  ففي أول آيتين(183-184) يتفق جمهور العلماء أنهما تتحدثان عن الصيام في بداية البعثة. فمن المعلوم أنه قبل فرض صيام شهر رمضان كان المسلمون يصومون أياماً قليلة مثل ما كان يصوم اليهود.  {..أَيَّامًا مَّعْدُودَات…} وقالوا أنها أقل من عشرة أيام.  ولكن الآن وجُب تميز الآمة الجديدة بتغيرعبادة الصيام عما كان يفعله اليهود. فيأمر الله بصيام الشهر كله أحتفالاً { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}

 
هنا نبذأ الحديث عن “التقوى” ومعناها “حماية النفس” مثلاً “إن خير الزاد التقوى”.  تقوى الله تعني حماية النفس من غضب الله أو من المعاصي التي أمرنا الله بالأبتعاد عنها.  الجدير بالذكر أن كلمة تقوى ذكرت أكثر من 200 مرة في القرآن.  لماذاَ؟! لأننا كمسلمين لا نتم جميع جوانب التقوى فمن الصعب جداً على الأنسان أن لا يخطأ بين الحين والآخر.  بينما مثلاً ذكر الصيام في رمضان مرة واحدة ومعظم المسلمين يصومون.
ماعلاقة الصيام بالتقوى؟ في أول آية عن الصيام قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي أن صيام الجسد يفضي إلى تدريب النفس يساعدها ذلك على التقوى.  كما نعلم أيضاً أن جميع الرسل والأنبياء أمروا بالصيام قبل ان يبعثوا لقومهم، أي أنه هناك علاقة بين الصيام وتصفية القلوب.  ولكن كيف تهذب النفس بصيام الجسد؟ عندما يصوم أحدناً ويحرم نفسه طيلة اليوم من الماء والطعام والمفطرات ماذا يحدث داخلنا.  الفم يطلب الماء والمعدة تطلب الطعام والنفس تلجمهما فلا تشرب ولا تأكل حتى المغرب.  هنا نرى أنه في كل يوم يدور عراك داخل الإنسان بين نفسه و جسده وتنتصر النفس التي تخاف الله طيلة ثلاثين يوم. هذا يشبه إلى حد كبير دورة تمارين رياضية للنفس للسيطرة على الجسد وبناء التقوى والايمان.  ولاعطاء فرصة أكبر لنجاح الإنسان في هذه الدورة يحبس الشياطين طيلة شهر رمضان فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين. 
 
 {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.  ولكن كيف يريد الله بنا اليسر وقد زاد عدد أيام الصيام من يضعة أيام إلى شهر كامل؟ ومن لم يستطع الصيام لمرض ما عليه القضاء أي خلافاً لما سبق حين كان يُسمح بدفع فدية بدلاً من الصوم؟ على ماذا نشكر الله في آخر رمضان؟
  1. أكبر نعمة هي نزول القرآن الكريم.
  2. الشكر على شهر كامل بدون تأثير الشيطان لكي نتلوا القرآن بأمان {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (النحل 98)}
  3. الشكر على أن الله عزوجل أنعم علينا أن نشهد الشهر بأكمله.

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}  هذه الأية تخاطب النبي أنه عز وجل يجيب دعوة الداع في هذا الشهر الفضيل وليس بالضرورة أن يكون من الدُعات أي انه حتى لو هذه هي الدعوة الوحيدة في حياة هذا الانسان!ّ  و”أجيب” هنا تدل على الاستجاب المباشرة بعكس “سأستجيب” فعلينا أن نكثر الدعاء في رمضان. تتمة الأية تأمر بالمحاولة على الأقل للاستجابة إلى الله والايمان به.

يوسف يعقوب

كاتب ومترجم وخبير برمجة لاكثر من 20 سنة. مهتم بالغذاء والصحة وعلاج الامراض بالاعشاب والطرق الطبيعية.

أقرأ مقالاتي الأخرى