سيرة السيدة جويرية بنت الحارث زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام

  مصنف: شريعة 1669 1

هي برة بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك من خزاعة، كان ابوها سيد وزعيم بني المصطلق. عاشت برة في بيت والدها معززة مكرمة في ترف وعز وفي بيت تسوده العراقة والأصالة، في أول عمرها تزوجت من مسافع بن صفوان أحد فتيان خزاعة وكانت لم تتجاوز العشرين من عمرها.

زواجها

وفي السنة السادسة للهجرة ، وبعد غزوة بني المصطلق أصاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبياً كثيراً قسّمه بين المسلمين ، وكان ممن أصاب يومها من السبايا جويرية بنت الحارث ، فلما قسّم السبايا وقعت جويرية في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة مُلاّحة ، ولا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تستعينه في كتابتها ، وقالت له :( يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه ، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، فكاتبته على نفسي ، فجئتك أستعينك على كتابتي )قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( فهل لك في خير من ذلك ؟) قالت :( وما هو يا رسول الله ؟) قال :( أقضي عنك كتابتك وأتزوجك ) قالت :( نعم يا رسول الله ) قال :( لقد فعلت ).

وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تزوّج جويرية ، فقال الناس :( أصهار رسول الله ) وأرسلوا ما بأيديهم ، قالت السيدة عائشة :( فلقد أعتق بتزويجه إياها مئة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها ).

كان اسمها “برّة” فسماها رسول الله جويرية وذلك لما في الاسم الأول من معاني المدح والتزكية.

صفاتها

كانت السيدة جويرية من اجمل النساء، كما أنها تتصف بالعقل الرزين والرأي السديد والخلق الكريم والفصاحة، كما كانت تعرف بصفاء قلبها ونقاء سريرتها، وكانت واعية، تقية. عندما تزوجها الرسول  صارت تحذو حذو امهات المؤمنين في الصلاة والعبادة  وتقتبس من الرسول عليه الصلاة والسلام من أخلاقه وصفاته الحميدة حتى اصبحت مثلا في الفضل والفضيلة، فكانت من العابدات القانتات السابحات الصابرات.

إسلام والدها الحارث

أقبل الحارث ( والد جويرية ) إلى المدينة بفداء ابنته ، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء ، فرغب في بعيرين منها ، فغيّبهما في شِعْبٍ من شعاب العقيق ، ثم أتى إلى الرسـول -صلى اللـه عليه وسلـم- وقال :( يا محمـد أصبتم ابنتي ، وهذا فداؤها ) فقال رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- :( فأين البعيران اللذان غَيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا ؟) فقال الحارث :( أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ! فوالله ما اطّلع على ذلك إلا الله ) فأسلم الحارث ومعه ابنان له ، وناس من قومه ، وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما.

بيت النبوة

ولقد عاشت أم المؤمنين ( جويرية ) في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كزوجة كريمة مُعزّزة ، فكانت خير مثل يُحتذى في رعايتها لبيتها وزوجها وحسن عشرتها معه -صلى الله عليه وسلم. ولقد كانت كثيرة الإجتهاد بالعبادة لله تعالى ، والإكثار من ذكره المبارك ، والصوم وفعل الخيرات ، وكان يحرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على تعليمهـا أمور دينها فقد دخل عليها في يـوم جمعـة وهي صائمـة فقال لها :( أصَمْتِ أمس ؟) قالت :( لا ) قال :( أتريديـن أن تصومي غداً ؟) أي السبت مع الجمعة قالت :( لا ) قال :( فأفطري ) لكراهة ذلك.
وفي أحـد الأيام خرج الرسـول -صلى الله عليه وسلم- من عندها بُكْرَةً حين صلّى الصبـح ، وهي في مسجدها ، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال :( مازلت على الحال التي فارقتك عليها ؟)  قالت :( نعم ) قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :( لقد قُلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مراتً ، لو وزِنَت بما قلتِ منذ اليوم لوَزَنتهنّ : سبحان الله وبحمده عدَدَ خَلْقِه ورضا نفسه ، وزِنة عرشه ، ومِداد كلماته ).

وفاتها

عاشت جويرية أم المؤمنين بعد رسول الله ﷺ راضية مرضية إلى أن استقر الأمر لمعاوية ابن أبي سفيان، توفيت في المدينة بعد منتصف القرن الأول من الهجرة، سنة ست وخمسين على الأرجح، وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة، وقد بلغت سبعين سنة، وقيل: توفيت سنة خمسين، وهي بنت خمس وستين،  والله تعالى أعلم . وقد روت عن الرسول سبعة احاديث.