الباقيات الصالحات – ما المقصود بها وما هي فضائل الباقيات الصالحات

  مصنف: شريعة 3595 0

الباقيات الصالحات هي الأعمال الصالحة التي يكون لها ثواب في الآخرة، فهي كالشّجرة المُثمرة التي تبقى ثمرتُها بعد انتهاء هذه الدنيا،و هي لفظ عام يشمل الأعمال التي ترضي الله تعالى. العلماء اختلفوا في المراد بهذه الأعمال الصالحة على أقوال كثيرة،فقيل هي الصلوات الخمس، وقيل: كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة، وهو الصحيح. وقال الجمهور: هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، 

ورود الباقيات الصالحات في القرآن الكريم

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46]. ويقول سبحانه وتعالى في سورة مريم: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً [مريم:76]

أقوال المفسرين في الباقيات الصالحات

قال ابن الجوزي رحمه الله: والباقيات الصالحات فيها خمسة أقوال:

  1. أنها (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر).
  2. أنها (لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله ولا قوة إلا بالله).
  3. أنها الصلوات الخمس.
  4. أنها الكلام الطيب.
  5. جميع الأعمال الحسنة.

وقال الشيخ صديق حسن خان رحمه الله في تفسيره فتح البيان: الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [مريم:76] أي: أعمال الخير التي تبقى لها ثمرتها أبد الأبد وهي ما كان يفعله فقراء المسلمين من الطاعات. قال الجمهور: هي الكلمات المأثور فضلها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقال ابن عباس وابن جبير وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل: [هي الصلوات الخمس] وعن ابن عباس: [كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة] ورجحه الطبري. وعن قتادة: كل ما أريد به وجه الله.

وعن الحسن وعطاء: إنها النيات الصالحة، فإن بها تقبل الأعمال وترفع.  وقال علي رضي الله عنه: [حرث الآخرة الباقيات الصالحات] وقد قيل: إن الباقيات الصالحات هي النيات والهمات، الهمة الحسنة والنية الحسنة؛ لأنه بها تقبل الأعمال وترفع .

أما ابن كثير رحمه الله تعالى فكان من أكثر المفسرين نقلاً للآثار والتفسير في هذه الكلمات في سورة الكهف الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [الكهف:46] وبعد أن ساق أقوالاً كثيرةً وآثاراً في هذا، ساق رواية الإمام أحمد رحمه الله عن الحارث مولى عثمان رضي الله عنه قال: جلس عثمان وجلسنا معه، فجاءه المؤذن فدعا بماءٍ في إناءٍ أظنه سيكون مداً -وهو كيل عند أهل الحجاز – فتوضأ ثم قال: (رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته، ثم إن قام فتوضأ وصلى صلاة الصبح، غفر له ما بينها وبين العشاء، وهي الحسنات يذهبن السيئات. قالوا: هذه الحسنات، فما الباقيات الصالحات يا عثمان؟ قال: هي: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله) قال الهيثمي رحمه الله في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح، غير الحارث بن عبد الله مولى عثمان وهو ثقة. وختم ابن كثير كلامه في هذه الآية بقوله: وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي الأعمال الصالحة كلها، واختاره ابن جرير رحمه الله تعالى. وقد ثبت حديثٌ مرفوع عن النبي ﷺ في الباقيات الصالحات، وهو ما رواه النسائي والحاكم عن أبي هريرة قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خذوا جنتكم من النار) في رواية الحاكم قالوا: (من عدوٍ يا رسول الله؟ قال: بل من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدماتٍ ومعقبات ومجنبات، وهن الباقيات الصالحات) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.

كل هذا من الباقيات الصالحات، فهذه خير عند الله ثواباً وخير أملاً، فثوابها يبقى ويتضاعف على الآباد، ويؤمل أجرها وبرها ونفعها عند الحاجة. هذه بعض أقوال المفسرين في الباقيات الصالحات، فإما أن نقول: هي الكلمات الواردة في هذا الحديث الصحيح الذي ذكرنا، أو إنها كل أعمال البر والخير.

فضائل الباقيات الصالحات

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا جُنَّتكم)، قلنا: يا رسول الله! من عدوٍّ حَضَر؟ قال: (لا ، بل جُنَّتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات ومقدمات، وهن الباقيات الصالحات) [رواه الحاكم والنسائي في عمل اليوم والليلة].

  1. أحب الكلام إلى الله
    ما تكلم العبد بكلام أحب إلى الله تعالى -بعد القرآن- من هذه الكلمات، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحبُّ الكلام إلى الله أربع، لا يَضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ: سبحان الله ، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) [رواه مسلم].
  2. خير من الدنيا وما فيها
    إن هذه الكلمات خير وأحب عند رسول الله ﷺ من الدنيا وما فيها من الأموال والمتاع الذي هو زينة الحياة الدنيا، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن أقول : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس) [رواه مسلم]؛ وهذا مصداق قول الله سبحانه: (المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالبَاقِياتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف: 46].
  3. عمل قليل وأجور عظيمة
    يحرص المسلم الصادق على ملئ صحائفه بالأعمال الصالحة، ليثقل موازينه عند الله تعالى، إلا أن عمر الإنسان يضيق عن إدراك كثير من الصالحات، فكان من لطف الله وكرمه على عباده أن جعل هذه الكلمات مباركات  فهي على قلتها من حيث العدد، إلا أن لها من الأجر والفضل ما لو قضى الإنسان عمره ليفعله ما بلغ معشار ذلك، لا سيما عند تكبر سنه، ويرق عظمه، وتضعف عزيمته. فعن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: مرَّ بي رسول الله ﷺ ، فقلت: إني قد كبرت وضعفت – أو كما قالت-، فمرني بعمل أعمله وأنا جالسة، قال: (سبحي الله مائة تسبيحة، فإنها تعدل مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل ، واحمدي الله مائة تحميدة، تعدل لك مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله، وكبّري الله مائة تكبيرة، فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبّلة، وهلل مائة تهليلة – قال الراوي: أحسبه قال: تملأ ما بين السماء والأرض-ولا يرفع يومئذ لأحد عمل إلا أن يأتي بمثل ما أتيت) [رواه أحمد].
  4. مكفرات للذنوب
    ولا يتوقف الأمر عند زيادة الحسنات، بل إن هذه الكلمات تكفر الذنوب وتمحو الخطيئات مهما بلغت وكثرت، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر) [رواه أحمد والترمذي والحاكم].وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ مرَّ بشجرة يابسة الورق، فضربها بعصاة، فتناثر الورق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لتساقط من ذنوب العبد كما تساقط ورق هذه الشجرة) [رواه الترمذي].
  5. جُنَّة ووقاية من النار
  6. ويتجلى علينا فضل الله تعالى أكثر وأكثر إذا علمنا أن هذا الذكر المبارك هو وقاية للعبد من النار، وستر له من عذاب الآخرة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا جُنَّتكم)، قلنا: يا رسول الله! من عدو حضر؟ قال: (لا ، بل جنتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات ومقدمات، وهن الباقيات الصالحات) [رواه الحاكم والنسائي في عمل اليوم والليلة].
  7. أفضل المؤمنين من أكثر منهن وقد عُمّر في الإسلام
    عن عبد الله بن شداد: أن نفراً من بني عذرة ثلاثة أتوا النبي ﷺ فأسلموا ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يكفينيهم)؟ قال طلحة : أنا، قال : فكانوا عند طلحة فبعث النبي ﷺ بعثاً فخرج فيه أحدهم فاستشهد،  قال: ثم بعث آخر فخرج فيهم آخر فاستشهد قال: ثم مات الثالث على فراشه قال طلحة: فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة فرأيت الميت على فراشه أمامهم ورأيت الذي استشهد أخيراً يليه ورأيت الذي استشهد أولهم آخرهم، قال: فدخلني من ذلك. قال: فأتيت النبي ﷺ فذكرت ذلك له قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنكرت من ذلك  ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يُعمَّر في الإسلام يَكثُر تكبيره وتسبيحه وتهليله وتحميده) [رواه أحمد والنسائي في الكبرى].
  8. ثقيلات في الميزان
  9. عن أبي سلمى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (بخ بخ –وأشار بيده بخمس- ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه) [رواه الحاكم].
  10. تذكر بصاحبها عند العرش
  11. عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما تذكرون من جلال الله: التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، ينعطفن حول العرش لهن دَوِيٌّ كدَويِّ النَّحل تُذكر بصاحبها أما يحب أحدكم أن يكون له أو لا يزال له من يذكر به) [رواه أحمد وابن ماجه والحاكم].
  12. أنهن غرسُ الجنة
    روى الترمذي في سننه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال : (( لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال : يا محمد أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبةُ التربة ، عذبةُ الماء ، وأنها قيعانٌ ، غِراسها سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر )) (4) ، وفي إسناد هذا الحديث عبد الرحمن ابن إسحاق ، لكن للحديث شاهدان يتقوى بهما من حديث أبي أيوب الأنصاري ، ومن حديث عبد الله ابن عمر . والقيعان جمعُ قاع ، وهو المكانُ المستوي الواسعُ في وطاةٍ من الأرض يعلوه ماء السماء فيمسكه ويستوي نباته ، كذا في النهاية لابن الأثير(1) ، والمقصود أن الجنة ينمو غرسها سريعاً بهذه الكلمات كما ينمو غراس القيعان من الأرض ونبتها .
  13. ثواب الصدقة
    روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه : أن ناساً من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا : للنبي ﷺ : يارسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفصول أموالهم ، قال : (( أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحةٍ صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدةٍ صدقة ، وكل تهليلةٍ صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة)) ، قالوا : يارسول الله أيأتي أحُدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : (( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزرٌ ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ )).
  14. أن النبي ﷺ جعلهن عن القرآن الكريم في حق من لا يحسنه
    روى أبو داود ، والنسائي ، والدارقطني ، وغيرهم عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن ، فعلمني شيئاً يجزيني ، قال : تقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله )) ، فقال الأعرابي : هكذا وقبض يديه ـ فقال : هذا لله ، فما لي ؟ قال : تقول : (( اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني )) فأخذها الأعرابيُّ وقبض كفيه ، فقال النبي ﷺ : (( أمَّا هذا فقد ملأ يديه بالخير )).
  15. مَنْ قَالَهَا لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَة وَحُطَّ عَنْهُ عِشْرُونَ سَيِّئَة 
    فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَال: { إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اصْطَفَى مِنْ الْكَلَامِ أَرْبَعًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا عِشْرُونَ حَسَنَةً وَحُطَّ عَنْهُ عِشْرُونَ سَيِّئَةً وَمَنْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فَمِثْلُ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كُتِبَ لَهُ بِهَا ثَلَاثُونَ حَسَنَةً وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا ثَلَاثُونَ سَيِّئَةً }.
    [رَوَاهُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَل فِي مُسْنَده (8/122) (7999) وفِي (8/165) (8079) (مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، وقَالَ عَلِيُّ بْن أَبِي بَكْر الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَع الزَّوَائِد “رِجَالهُمَا رِجَال الصَّحِيح” ، وَقَالَ أَحْمَد شَاكِر فِي تَحْقِيقِه لِلمُسْنَد (8/165) “إِسْنَاده صَحِيح”].