سيرة أبو هريرة رضي الله عنه صاحب الرسول عليه الصلاة والسلام

  مصنف: شريعة 1364 0

أبو هريرة صاحب رسول الله ومن كبار الصحابة، قد أجمع أهل الحديث أن أبا هريرة أكثر الصحابة روايةً وحفظاً لحديث رسول الله . اسمه في الجاهلية عبد شمس بن صخر ولما أسلم سماه رسول الله عبد الرحمن بن صخر الدوسي نسبة إلى قبيلة دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران.

سيرة حياة أبو هريرة رضي الله عنه

ولد في مدينة الحجاز في عام 19 قبل الهجرة، واعتنق الإسلام في عام فتح خيبر عام 7 هـ ، كان يبلغ من العمر 16 عام . لُقّب بأبي هريرة لأنه كان يعطف على الحيوان ، حيث كان له هرة ( قطة ) يعتني بها ويطعمها ويسقيها ، حيث قال : ” كنت أرعى غنم أهلي ، وكانت لي هريرة صغيرة ، فكنت أضعها بالليل في شجر ، فإذا كان النهار ذهبت بها معي ، فلعبت بها فكنوني ( أبا هريرة ) “.

أسلم أبو هريرة على يد الطفيل بن عمرو الدوسي، وظل في أرض قومه دوس إلى ما بعد الهجرة بست سنين، حيث وفد مع جموع من قومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الصحابي الجليل انقطع لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتخذ المسجد مقاماً، واتخذ النبي معلماً وإماماً، إذ لم يكن له في حياة النبي زوج ولا ولد.

أن هذا الصحابي كانت له أم عجوز أَصَرَّتْ على الشرك، فكان لا يفتأ أن يدعوها إلى الإسلام إشفاقًا عليها، وبراً بها، فتنفر منه، وتصده فيتركها، والحزن عليها يفري فؤاده فرياً . وفي ذات يومٍ دعاها إلى الإيمان بالله ورسوله، فقالت في النبي عليه الصلاة والسلام قولاً أحزنه، فمضى إلى النبي يبكي، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ((ما يبكيك يا أبا هريرة؟ فقال: إني كنت لا أفتر عن دعوة أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، وقد دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: فادعُ الله عز وجل كي يميل قلبَ أم أبي هريرة للإسلام، فدعا لها النبي صلوات الله وسلامه عليه .
قال أبو هريرة: فمضيتُ إلى البيت، فإذا بالباب قد ردّ، وسمعت خضخضة الماء، فلما هممتُ بالدخول قالت أمي: مكانك يا أبا هريرة، ثم لبستْ ثوبها، وقالت: ادْخُل، فدخلتُ، فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فعدتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أبكي من شدة الفرح .  قلت: أبشِرْ يا رسول الله، فقد استجاب الله دعوتك، وهدى أمّ أبي هريرة إلى الإسلام)). فحمد الرسول ربه، وأثنى عليه وقال خيرًا، ثم قال أبو هريرة: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، فقال رسول الله : (اللهم حبّبْ عُبَيْدَك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين)، قال أبو هريرة: فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني. [مسلم].

وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يحب الجهاد في سبيل الله، فكان يخرج مع المسلمين في الغزوات، وكان يواظب على جلسات العلم ويلازم النبي ، فكان أكثر الصحابة ملازمة للنبي وأكثرهم رواية للأحاديث عنه ، حتى قال عنه الصحابة: إن أبا هريرة قد أكثر الحديث، وإن المهاجرين والأنصار لم يتحدثوا بمثل أحاديثه، فكان يرد عليهم ويقول: إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أراضيهم، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق (التجارة)، وكنت ألزم رسول الله على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا.

وكان لأبي هريرة -رضي الله عنه- ذاكرة قوية قادرة على الحفظ السريع وعدم النسيان، قال عنه الإمام الشافعي -رحمه الله- : إنه أحفظ من روى الحديث في دهره. وقال هو عن نفسه: ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثًا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب.
وكان يحب العلم، فكان طلابه يقبلون عليه، حتى يملئوا بيته، كما كان مقدرًا للعلم، فذات يوم كان ممددًا قدميه فقبضهما ثم قال: دخلنا على رسول الله حتى ملأنا البيت وهو مضطجع لجنبه، فلما رآنا قبض رجليه ثم قال: (إنه سيأتيكم أقوام من بعدي يطلبون العلم، فرحبوا بهم وحيُّوهم وعلموهم) [ابن ماجه].
وكان أبو هريرة شديد الفقر، لدرجة أنه كان يربط على بطنه حجرًا من شدة الجوع، وذات يوم خرج وهو جائع فمر به أبو بكر -رضي الله عنه-، فقام إليه أبو هريرة وسأله عن تفسير آية من كتاب الله، وكان أبو هريرة يعرف تفسيرها، لكنه أراد أن يصحبه أبو بكر إلى بيته ليطعمه، لكن أبا بكر لم يعرف مقصده، ففسر له الآية وتركه وانصرف، فمر على أبي هريرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فسأله ففعل معه مثلما فعل أبو بكر.
ثم مر النبي فعلم ما يريده أبو هريرة فقال له النبي : (أبا هريرة)، فقال: لبيك يا رسول الله، فدخلت معه البيت، فوجد لبنًا في قدح، فقال : (من أين لكم هذا؟) قيل: أرسل به إليك. فقال النبي : أبا هريرة، انطلق إلى أهل الصفة (الفقراء الذين يبيتون في المسجد) فادعهم، فحزن أبو هريرة، وقال في نفسه: كنت أرجو أن أشرب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي، ثم قال في نفسه: لابد من تنفيذ أمر الرسول ، وذهب إلى المسجد، ونادى على أهل الصفة، فجاءوا، فقال في نفسه: إذا شرب كل هؤلاء ماذا يبقى لي في القدح، فأتوا معه إلى بيت النبي ، فقال له النبي : (أبا هر، خذ فأعطهم)، فقام أبو هريرة يدور عليهم بقدح اللبن يشرب الرجل منهم حتى يروى ويشبع، ثم يعطيه لمن بعده فيشرب حتى يشبع، حتى شرب آخرهم، ولم يبق في القدح إلا شيء يسير، فرفع النبي رأسه وهو يبتسم وقال: (أبا هر) قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (بقيت أنا وأنت) قلت: صدقت يا رسول الله، فقال الرسول: (فاقعد فاشرب).
قال أبو هريرة: فقعدت فشربت، فقال: (اشرب). فشربت، فما زال النبي يقول لي اشرب فأشرب حتى قلت: والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغًا (مكانًا)، فقال النبي : (ناولني القدح) فأخذ النبي القدح فشرب من الفضلة. [البخاري].
وقد أكرم الله أبا هريرة نتيجة لإيمانه وإخلاصه لله ورسوله ، فتزوج من سيدة كان يعمل عندها أجيرًا قبل إسلامه، وفي هذا يقول: نشأتُ يتيمًا، وهاجرت مسكينًا، وكنت أجيرًا عند بسرة بنت غزوان بطعام بطني، فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدوا إذا ركبوا (أي أمشى أجر ركائبهم)، فزوجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قوامًا، وجعل أبا هريرة إمامًا.
وفي عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تولى أبو هريرة إمارة البحرين، وكان نائبًا لمروان بن الحكم على المدينة، فإن غاب مروان كان هو الأمير عليها، وكان يحمل حزمة الحطب على ظهره في السوق ويراه الناس.
وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- ناصحًا للناس، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وبينما كان يمر بسوق المدينة رأى الناس قد اشتغلوا بالدنيا، فوقف في وسط السوق وقال: يا أهل السوق: إن ميراث رسول الله يقسم وأنتم هنا، ألا تذهبون فتأخذوا نصيبكم منه! فقالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد. فأسرع الناس إلى المسجد ثم رجعوا إلى أبي هريرة فقال لهم: ما لكم رجعتم؟! قالوا: يا أبا هريرة، قد ذهبنا إلى المسجد، فدخلنا فيه فلم نر فيه شيئًا يقسم! فقال: وماذا رأيتم؟ قالوا: رأينا قومًا يصلون، وقومًا يقرءون القرآن، وقومًا يذكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: فذاك ميراث محمد .
وعاش أبو هريرة لا يبتغي من الدنيا سوى رضا الله وحب عباده من المسلمين حتى حضرته الوفاة، فبكى شوقًا إلى لقاء ربه، ولما سئل: ما يبكيك؟ قال: من قلة الزاد وشدة المفازة، وقال: اللهم إني أحب لقاءك فأحبب لقائي. وتوفي -رضي الله عنه- بالمدينة سنة (59 هـ)، وقيل سنة (57هـ)، وعمره (78) سنة، ودفن بالبقيع بعدما ملأ الأرض علمًا، وروى أكثر من (5609) حديث من أحاديث رسول الله ﷺ أو نحوها.